المثقف - حوار مفتوح
المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (73): السيادة والولاء المضاد
خاص بالمثقف: الحلقة الثالثة والسبعون من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف، وفيها يجيب على أسئلة الأستاذ د. جودت صالح العاني، وسؤال الأستاذ د. حسن البياتي:
س74: د. جودت صالح العاني.. أستاذ علوم الفلسفة السياسية وعلم الجيوبوليتكس / ألمانيا: تابعت حلقات حواركم رغم إنشغالاتي الكثيرة .. فوددت أن أستعرض عددًا من الأسئلة، التي وردت في ذهني:
- هنالك ثمة فاصلة جوهرية، تحددها معايير، بين الإستقلال الوطني وبين القبول بسلطة الآخر، ورضوخ الإرادة السياسية للآخر .. فكيف يمكن تقييم حالة الأستقلال وحالة الرضوخ، بعيداً عن الخلط في موضوعات لا تقبلها معايير العلاقات الدولية المشروعة بين الدول صاحبة (السيادة)؟
ج74: ماجد الغرباوي: شكرا للأستاذ الدكتور جودت صالح العاني، الأديب والأكاديمي المرموق، وشكرا لحسن ظنه ومشاركته من خلال أسئلته القيمة.
منهجيا تتطلب المقارنة تحديدا واضحا لمفهوم الإستقلال الوطني، لتدارك فوضى التصنيف، حيث التبست المفاهيم، وتداخلت الهيمنة بالولاء. وغدا الاستقلال الوطني شعورا نفسيا أكثر منه حقيقة موضوعية. وباتت الدولة متهمة رغم استقلالها، أو بالعكس. فوجود ضابطة يسمح بفهم الواقع وتفسير ظواهره، واستعادة ثقة الشعوب بدولها، وفرزالاستقلال الحقيقي عن الاستقلال الشكلي،.
يعني الاستقلال الوطني إصطلاحا: سيادة الدولة مطلقاً، بعيدا عن أية تبعية خارجية. ولازمه نفي أية سلطة وإملاءات فوقية. فالإستقلال الوطني يرتهن لحريته في إتخاذ القرارات، وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها. أو تصبح سيادة منقوصة، عندما ترضخ لإرادة الآخر.
تعني السيادة معجمياً: (حق الدولة بممارسة اختصاصاتها الدولية وإدارة علاقاتها مع الدول الأخرى. بحرية تامة، ودون الخضوع لأي سلطة أجنبية ... وهي لا تتعارض مع الإلتزامات الناشئة عن العلاقات التعاقدية، كالمعاهدات والاتفاقيات).
ودولة ذات سيادة: (هي الدولة ذات الاستقلال الناجز التي تملك السلطة العليا داخل إقليمها ولا تخضع لإرادة أو سلطة دولة أخرى أكثر منها نفوذا أو أقوى عسكريا، ولا تتلقى منها الأوامر أو التوجيهات في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية). وبهذا يتضح مفهوم السيادة المنقوصة.
ويسجل على التعريف عدم التمييز بين هيمنة الآخر، وما تفرضه ضرورات الضعف الداخلي. فثمة فارق بين الحالة الثانية وبين نقص السيادة بسبب العمالة وضعف السلطة الحاكمة وفسادها. أو بسبب الاحتلال. كما أن التعريف يستبطن التفافا على صدقيته، فما من معاهدة واتفاقية إلا وتؤثر على قرارات الدولة. ويكفي مراعاتها، وعدم صدور ما يعارضها. وعليه سوف لا يجد التعريف مصداقا حقيقيا، ما دامت هناك إتفاقيات ومعاهدات، تتباين في شروطها وقوة محدداتها. فاضطروا لتدارك الأمر بإضافة (وهي – السيادة - لا تتعارض مع الإلتزامات الناشئة عن العلاقات التعاقدية، كالمعاهدات والاتفاقيات). وهذا لا يكفي فبعض الاتفاقيات تسلب البلد سيادته حقيقة، رغم اعتراف المجتمع الدولي به. فعدم تحديد نوع الاتفاقيات يراد به تمرير الاتفاقيات التي تنهك سيادة بعض الدول، تحت غطاء الاعتراف الدولي بسيادتها الوطنية. وهو أسلوب يحقق كامل أهدافه، حينما يسلب التحريض الشعبي ذريعته، مهما كان عبء الأتفاقيات المبرمة.
السيادة الوطنية واقع عملي، وليست إجراءات شكلية، لذا أميل لتعريفها بـ: (إستقلالية القرار بما يحفظ سيادة الدولة ويحقق أمنها ومصالحها الاستراتيجية). وأعني بـ"استقلالية القرار" صدوره بكامل إرادتها، في إطار علاقات دولية متوازنة، تقوم على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وحينئذٍ لا تنقص المعاهدات الدولية من سيادة الدولة، ما دامت قادرة على إتخاذ القرار، ضمن خياراتها الاستراتيجية. فالتعريف الثاني يمنح السيادة مرونة أكبر، بشكل تقتصر فيه السيادة المنقوصة على:
- الدولة المحتلة فعلا.
- الدولة التي تفرّط بسيادتها الوطنية بسبب فساد السلطة الحاكمة حينما تسمح بتمدد دول أخرى تحت أية ذريعة، وترتهن قراراتها الوطنية لإرادة أعلى، خارجية أم داخلية (دينية، طائفية، عشائرية، حزبية، قومية).
- الدولة التي ترتهن قراراتها لمعاهدات واتفاقيات تسلب سيادتها بشكل غير مباشر.
واقع الدولة المعاصرة
لا شك أن قدرة الدولة تفرض مكانتها على الخارطة السياسية. وقد يملي الواقع عليها ظروفا قاهرة، تضطرها لعلاقات قد تثلم سيادتها، وتعيش متهمة في وطنيتها. وهناك دولة ضعيفة بسبب موقعها الجغرافي، ودولة فقيرة تتقوم بالمساعدات الخارجية والقروض البنكية الباهظة فتخضع لإرادة المؤسسات المالية وشروط الدول القوية. وأحيانا تجبر الظروف الاستثنائية الدولة على إتخاذ قرارات تؤثر سلبا على سيادتها الوطنية.
وكما أن الموقع الجغرافي والثروات الطبيعية تساهم في تعزيز قوة الدولة وترسيخ سيادتها، فأيضا قد تؤثر سلبا عليهما، رغم أنها خارجة عن إرادتها. فثمة دول غير قادرة على حماية نفسها، أو تباغتها ظروف تضطرها لاتخاذ قرارات تؤثر سلبا على سيادتها. فهل يصدق عليها مفهوم السيادة المنقوصة حقيقة أم يكفي الاعتراف الدولي بسيادتها؟.
التعريف يطمح إلى مفهوم يستبعد تُهمة الخيانة والتواطؤ عن بعض الدول. لأنها خطيرة، تضر بمصداقية الدولة، وتصدّع التماسك الوطني، وتهتز بسببها ثقة الشعب. فالتعريف الأول لا يستثني الدول التي تستضيف قواعد عسكرية من مفهوم السيادة الوطنية، رغم تداعياتها على القرار السيادي، بشكل ما. ويساوي بينها وبين الدولة التي تضطر بحكم وضعها إلى إتفاقيات تربك سيادتها. والدليل أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتعامل معها على أنها دول ذات سيادة كاملة. وهذا مبرر آخر للعدول عن التعريف الأول إلى الثاني الذي سيكون عمليا يأخذ بنظر الاعتبار ظروف الدولة.
وقد نستفيد منه لفهم الواقع السياسي وتفسير ظواهره وسلبياته، خاصة دول المنطقة، حيث نواجه نوعين من الدول. فالعراق اليوم مثلا، مرتهن في قراراته. مضطر لمداراة الدول الإقليمية والقوى الداخلية، بل ومجبر على سياسة التوافق السياسي التي تضعف قدراته، وتسلبه فرص المناورة السياسية. والأمر أحيانا خارج عن إرادة الدولة كما راهناً، حيث يمر البلد بظروف قاهرة، فهو ضحية موقعه الجغرافي ومحاط بدول كبيرة، إيران وتركية والسعودية، وتوجد قواعد وجيوش عسكرية غربية بحجية محاربة داعش، وحجم ثرواته التي يتعذر عليه حمايتها بمفرده، ووضعه السياسي الاستثنائي وتعدد الحروب التي خاضها، والحصار الذي قاساه، وسياسة الأنظمة السابقة وتعدد قومياته وطوائفه. فالبلد يصدق أنه منقوص السيادة واقعا، غير أنه كامل السيادة وفقا للمعايير الدولية. فهل نحكم على واقعه أم نلتزم بالاعتراف الشكلي بسيادته؟.
ودول غنية تجبر على اتفاقيات ومعاهدات سرية باهظة، تسلبها سيادتها بشكل غير مباشر، كأن تفرض عليها مبيعات أسلحة ومعدات عسكرية بمبالغ طائلة تستنزف ثرواتها وترتهن قراراتها، إذا لم تزجها بحروب داخلية وخارجية. أو تفرض عليها علاقات لا تخدم مصالحها واستراتيجياتها، فيصدق أنها دول منقوصة السيادة واقعا، غير أن المحافل الدولية تعتبرها كاملة السيادة.
ثم يأتي انطباع الشعب عن دولته، حيث تنعدم الثقة، وتتلاشى الروح الوطنية، ويسري الشك لجميع قرارات الدولة بل ورجالها. وثقة الشعب بدولته أهم من موارده وثرواته، بل قيمة الدولة بتلاحمها الجماهيري، ودفاع الشعب عن النظام السياسي.
لست بصدد تبرير نقص السيادة الوطنية، لكن أود تقديم تعريف أكثر موضوعية يراعي بعض البلدان، من أجل تعزيز ثقة شعوبها، ومساعدتها على تخطي ظروفها الاستثنائية، ودفع الشبه والاستفهامات عنها. وهي الدول التي تحيطها ظروف خارج إرادتها، رغم حرصها على تحرير قراراتها وسيادتها الوطنية. فالتعريف الثاني كفيل بوضع معايير بعيدة عن الظلم والتساهل في السيادة الوطنية: (إستقلالية القرار بما يحفظ سيادة الدولة ويحقق أمنها ومصالحها الاستراتيجية). فلا يشمل الدول المحتلة، ولا الدول التي فرّطت بسيادتها الوطنية بسبب فساد السلطة. أو بسبب تواطؤ رجالها مع إرادات خارجية مهما كان مبررها. ويقتصر على الدول الحريصة على استقلالها، وتكافح لأجله دائما.
س75: د. جودت صالح العاني: كما أن العلاقات الكائنة بين الوحدات السياسية على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف .. كيف تقيمونها في ضوء معايير وثوابت العلاقات التي يقوم عليها مبدأ السيادة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام الاستقلال الوطني واحكام التعاون المتبادل القائم على قاعدة المنافع المتبادلة .. بعيدًا عن أي تبرير؟
ج75: ماجد الغرباوي: اعتبر الولاء الوطني قيمة عليا، إضافة للكفاءة والنزاهة، وأرفض أي ولاء لغير الوطن تحت أية ذريعة. وطالما أكدت على هذا في كتاباتي، وقد بينت في كتاب "تحديات العنف" مبررات تقديم الولاء الوطني على الولاء الديني، المنحصر بالمرجعيات الدينية ورجال الدين راهنا. وأيضا ولاء العشيرة وقيمها التي تسبب بفوضى عارمة حينما تتقدم على ولاء الوطن والقانون والدستور. ففلسفة السيادة عندي قائمة على حرية القرار وصدقية الولاء الوطني. هما قوامها وحقيقتها، فلا سيادة مع ارتهان القرار، وانعدام المشاعر الوطنية.
لقد تسبب الولاء لغير الوطن في ارتهان القرار السياسي لقوى ودول أخرى، فبات الوطن سجين تلك الولاءات المشبوهة. وهذا ما حل في بلدان عدة، مثل العراق. للأسف بعض شعوب المنطقة ما زالت تعاني في ولائها للوطن، بسب الاقصاء، وسياسة التمييز العنصري والطائفي والقومي الذي انتهجته حكومات سابقة مع شعوبها. فالمنطقة لم تعش روح المواطنة أساسا، فكيف وهي تتشظى تحت مطرقة دستور يؤسس للكيانية القومية والطائفية؟ وهذا ما حصل لدستوره الجديد بعد 2003م. فأسس لولاء طائفي – كياني اختزل الولاء الوطني، وبات التحيز المذهبي والقومي مشروعا. وهذه الحالة لا تسمح بتزكية أية من الوحدات السياسية ما لم نضمن ولاء رموزها وقواعدها للوطن أولا وقبل كل شيء. ونتأكد من عدم وجود ولاء منافس، فثمة ولاءات كامنة تظهر حينما تتقاطع مع الولاء للوطن. كما هناك كيانات سياسية لا تعترف بالحدود الجغرافية. بل وتمهد لوحدة مجموعة بلدان تحت قيادة موحدة، رغم تبعاتها. فمعرفة فلسلفة السياسة والحكم لدى الوحدات السياسية ضرورة لضمان ولائها، وزرع الثقة بها، والإطمئنان لمواقفها وعلاقاتها.
وينبغي التمييز بين الولاء والمصالح المتبادلة بين الدول، فالولاء لغير الوطن يرتهن القرار السياسي برمته، حينما يمهّد لتدخل دولة أخرى، أو يسهّل مشاريعها ومصالحها، على حساب مصالح الشعب، بذريعة طائفية أو قومية. أو لضمان دعم تلك الدول سياسيا لحزب ما أو شخصية ما. فتارة التنافس السياسي يلغي ولاء الوطن لخدمة مصالح شخصية وحزبية، وينتهي الأمر بنقص السيادة الوطنية. ولعل خطر التدخل الخارجي راهنا بسبب ولاء بعض رموز الوحدات السياسية لغير الوطن، مهما كانت دوافعها ومبرراتها. ينبغي أن يبقى الوطن قيمة عليا، لا يجوز المساس بكرامته وسيادته وولائه. وهذا ما نفتقده.
وأيضا فإن الكفاءة والنزاهة قيم حقيقية، وكلاهما شاخص على جدارة الوحدة السياسية. غير أن نظام المحاصصة يرضخ لشروطها، ولا يلتزم بشرطي الكفاء والنزاهة، وهذا سبب الفساد المالي والأداري، في البلدان المتخلفة. بل أن هذا النظام يتستر على الفساد، ويبرر السرقات والتهاون.
س76: د. جودت صالح العاني: كيف يمكن الحكم، بأن هذه الوحدة السياسية (مستقلة) وذات (سيادة)، وما هي دلالات ذلك، في ضوء مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي؟ وكيف هو منحى الخروج من مأزق التسلط والهيمنة والنفوذ الأجنبي، لكي تتحقق (السيادة) و(الأستقلال) الوطنيان؟!
ج76: ماجد الغرباوي: أما بالنسبة للشطر الأول، يبقى الولاء مائزا، حينما تتقاطع المصالح الحزبية والشخصية مع المصلحة العليا للوطن. وحينما نسمح للأحزاب والشخصيات بإقامة علاقات مع جهات ودول أخرى، نشترط ضمان عدم التفريط بمصالح البلد مطلقا تحت أية ذريعة. والمواقف والخطوات العملية كفيلة بكشفها، حينما تقدم المصالح الشخصية والحزبية وربما الخارجية على مصلحة الوطن والشعب. وربما الأخطر على الدولة تقديم ولاء مختلف القيادات على ولاء الوطن. فينبغي ضمان ولاء الفرد لوطنه وللقانون، غير أن الشعب منقسم في ولاءاته. ولعل عدم استجابة الشعب لنداء الوطن حينما اجتاحت داعش الموصل، واستجابته الفورية والمدهشة لفتاوى المرجعية الدينية ما يؤكد ضعف الشعور الوطني. ولاء الشعب العراقي منقسم بين ولاء الشيعي لمرجعياته الدينية، والكردي لقوميته، والسني للسلطة. فالعراق بحاجة إلى تعميق روح الانتماء للوطن كقاسم مشترك.
وبالتالي فولاء الوحدة السياسية، وعدم ارتهان مواقفها وقراراتها لأي جهة خارجية أو داخلية، وتقديمها المصلحة العامة على مصالحها الشخصية والحزبية كلها شواهد على استقلاليتها ووطنيتها.
وأما بالنسبة للشطر الثاني، فنحتاج لعمل متواصل على صعيدين، داخلي: من خلال تعزيز الروح الوطنية، وترسيخ ثقافة المواطنة، بعد التخلص من كل محرّض طائفي وقومي دستوريا وقانونيا. أي يجب أن تنقلب المواطنة إلى واقع، يعيشه الفرد والمجتمع، وليس مجرد شعارات، فيختفي التمييز العنصري والطائفي والحزبي، وتختفي المحسوبية والمنسوبية. وتقديم الكفاءة على الولاء، في المناصب والوظائف الحكومية. وتربية الشعب على الولاء للوطن أولا، ووضع الدين والمذهب والطائفة والقومية في سياقها الصحيح.
وأما على الصعيد الخارجي، فيمكن للدولة الضعيفة تجنب هيمنة الآخر، دولة أو جهة قوية، من خلال:
أولا: الموازنة بين الأنداد الدولية والأقليمية.
ثانيا: الاستفادة من البدائل المتاحة للوقاية من تحديات الضعف الجغرافية وغيره.
ثالثا: الإرتباط بالمعاهدات الأقل خسارة على صعيد السيادة الوطنية.
رابعا: السعي لتكوين كتل إقليمية بين دول المنطقة بذات المواصفات، ترتبط بعلاقات دفاع مشترك، كما لو تحققت وحدة حقيقية بين العراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، فيمكنها ككتلة دولية الوقوف في وجه التمادي التركي – الإيراني - السعودي. اي كتلة تحقق توازن استراتيجي حقيقي، يضع حدا لطموحات الدول الأخرى.
خامسا: عدم الإرتباط باتفاقيات طويلة الأمد مع الدول القوية، الأقليمية والدولية.
س77: ا. د. حسن البياتي، شاعر وأكاديمي – بريطانيا: الاستاذ ماجد الغرباوي، المفكر الأسلامي التنويري الأصيل، سؤال:
الى أين يسير بالعراق (ربابنة) الطائرة الاميركية الجديدة، بعد سقوط طائرتهم القديمة وانكشاف آثار حكمهم (الاسلاموي) عبر (الصندوق الاسود)؟
ج77: ماجد الغرباوي: شكرا لمشاركتك الأستاذ الشاعر القدير حسن البياتي. مشكلة العراق ليس في رموزه، فهم ضحية فوضى النظام وانشطار الولاء، وثقافة الطائفية والإنقسامات الحزبية، وثقافة العنف، والتنابذ والاقصاء. العراق حلبة صراع دولي من خلال أحزاب السلطة، وبعيدا يتعافى ما لم تحل ثقافة الولاء الوطني محل ثقافة الطائفية والعنصرية، ويتحرر الوعي الجمعي من سلطة رجل الدين والعشير ة والسياسة. والمشكلة الأعمق في دستوره وقوانينه التي تشرع للفوضى والفساد وتكرس الطائفية، فنظام الحكم في العراق:
- لم يقم على فلسفة واضحة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الدستور على المواطنة وحقوقها، يقرر الكيانية حقيقة اجتماعية، فترد كلمة الكيان والكيانية 8 مرات في دستور يراد له أن يكون دستورا لمجتمع متنوع في طبيعته. كان يمكن للمواطنة أن تكون مرجعية نهائية لتسوية النزاعات الطائفية والقومية، وكان يمكن حل مشكلة الأكراد بصيغ لا تتعارض مع سيادة البلد. لكن الدستور شرعن مجموعة أخطاء، لا يمكن حلها إلا بإعادة كتابته، وفق أسس وطنية، تردم بؤر التوتر، الطائفي والعرقي.
- لازالت علاقة الشعب والدولة بالمرجعيات الدينية غير محسومة، فتجد الشعب منقسما في ولائه.
- لازال الشعب يعاني في ولائه الوطني، يؤكد هذا حجم الفساد والجرائم التي ترتكب علي يد المسؤولين، حينما يقدمون مصالحهم الشخصية والحزبية والطائفية على مصلحة الوطن والشعب.
- ضعف القواعد الشعبية للأحزاب السياسية يدفعها للإستقواء بدول المنطقة والدول القوية لتوفير الغطاء السياسي الكافي، وأنت تعلم ثمن الدعم الخارجي للأحزاب والشخصيات السياسية.
- تدخل بعض الدول في القرار السياسي من خلال أحزاب وشخصيات داخل السلطة وخارجها.
- حجم الفساد المالي والإداري.
- ظروف الحرب واجتياح داعش.
- الاحتلال وتداعياته التي ستبقى مؤثرة طويلا.
- الصراع المرير على السلطة.
هذه الأسباب ساهمت في تسيّب الوضع.
الشعب العراقي اليوم بحاجة إلى ثقافة جديدة، ورؤية مختلفة، ودستور وطني، وقيم حضارية تساعده على فهم دوره، وواجباته. فالنظام العراقي دستوريا نظام ديمقراطي غير أن الشعب لا يملك أية ثقافة ديمقراطية، ولا يفهم شيئا عن التسامح سوى شعارات فارغة، ولا يؤمن بالتعددية الدينية والقومية.
ثم لا علاقة للإسلاموية بالوضع، مع عدم نفي لها، فجميع الأحزاب مشاركة في السلطة، وجميعها مدانة في ولائها، متهمة بالفساد المالي والإداري، وما الأحزاب الإسلامية إلا جزء من فوضى البلد، وعدم قدرة الشعب على التشخيص، وحسم ولاءاته الدينية والسياسية.
............................
للاطلاع على حلقات:
للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.