حوار مفتوح
المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (174): فلسفة الخلق ومضمرات المفهوم
- التفاصيل
- كتب بواسطة: صحيفة المثقف
خاص بالمثقف: الحلقة الرابعة والسبعون بعد المئة، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف، حيث يجيب على أسئلة الأستاذ: أحمد مانع الركابي.
دلالات مضمرة
ماجد الغرباوي: لا شك أن الاصطفاء القرآني يدل على كمال الشخص المصطفى سلوكا وأخلاقا وعقلانية، بعيدا عن أي استغراق مثيولوجي: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ)، لحساسية النبوة ومهام الرسالة، فهي مهمة دينية – اجتماعية تتطلب أعلى درجات الانضباط الديني والأخلاقي، لضمان صدقية المرسَل، وتفادي النقد، الذي تارة يكون تعجيزيا، غير مبرر، كقولهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)، (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا). وكلتاهما تكشف مدى حساسية المجتمع، وتوقعاته التي تتعدى المثالية إلى الأسطورية. فالاصطفاء مفهوم يتضمن بعدا أنثربولوجيا، إضافة لإيحاءاته الروحية التي لا تخلو من أسطرة، غير أنها في حدود العقل، وشروط الدعوة الدينية. القرآن واضح في معنى الكمال من خلال استعراض صفات الأنبياء، كآية: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، حيث جاءت في سياق الحديث عن الأنبياء قبلها وبعدها. لا تجد فيها إشارة لأية صفة خارج حدود العقل، بل هي ممارسات أخلاقية وسلوك متوازن، يؤهل الفرد للاصطفاء. (وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). وثمة مقدمات لنيل شرف الاصطفاء الرباني. وهذا لا ينفي وجود معايير إلهية أخرى، يتم وفقها اصطفاء الأنبياء كعمق التجربة الروحية وأفق الوعي الكوني. لذا فالتقوى ليست مجرد التزام ورهبة وخوف من الله، بل هي مفهوم أعمق، يتعلق بوعي الذات وحدود الآخر، وما هو دور الإنسان في الحياة. التقوى تماهٍ واعٍ مع قصدية الخلق، تدفع باتجاه العمل الصالح وتجنب الطالح بوعي وروية، عارفا بمردوداته الدينية والاجتماعية والاخلاقية، فهو إنسان هادف دائما. والنبوة ليست مجرد مؤهلات، بل وعي مسؤولية الرسالة وخطورة مهامها، وموقعها ضمن نظام التكوين. وقدرة واعية على تحمّل أعباء الرسالة. وبالتالي فالاصطفاء لا يعني اتحاد اللاهوت بالناسوت، ولا يعني التفويض المطلق والولاية التكوينية أو وساطة الفيض، ولا تكشف عن عصمة المصطفى أو أسطوريته. بل هو تحمّل أعباء الرسالة وفق شروط محددة. لذا تتوقف صدقية الاصطفاء على وجود آية صريحة تدل عليه، أو تبقى مجرد أمانٍ، يصدق أنها من الوهم اللذيذ، طالما تأتي في سياق صراعات طائفية وسياسية، لتعزيز رصيدها الرمزي عبر تزكية الذات وتبجيلها، بعيدا عن المنطق القرآني الذي يحصر التزكية الحقيقية للنفس البشرية بالله: (اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء). من هنا تفهم سمو مفهوم الاصطفاء الإلهي. هو مفهوم تكتمل فيه الشروط الإنسانية بعيدا عن الأوهام الأيديولوجية والخرافية.
بينما لا يخفى البعد المثيولوجي في مفهوم الإنسان الكامل، حينما يجرّده خطاب التصوّف والعرفان من بشريته، ويرتفع به إلى مصاف الخالقية في قدراته وولايته المطلقة. ولازمه شموله بالاصطفاء، والعناية الإلهية، منذ ولادته بالنسبة للرسل والأنبياء، وبعد أن يقطع شوطا كبيرا في تجربته الروحية بالنسبة للأولياء، المتصوفة والعرفاء. وهو بهذا المعنى مقام ومنصب إلهي رفيع. والمستخلف هو خليفة الله في أرضه، أو ظل الله، يتمتع بصلاحيات مفتوحة، لا فرق بين الأنبياء والأولياء، رغم نسبية الكمال الإنساني وتفاوت أفراده في صدق المفهوم، فيشبه الاصطفاء القرآني من هذه الناحية. إذ جميع الرسل في دائرة الاصطفاء والرعاية الإلهية، لكن ثمة تفاوت بينهم: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ). ويقصد بالتفاوت مستوى القرب والبعد من الله تعالى، وما يترتب عليها من آثار ومسوؤليات دينية ودنيوية، سواء كانت رمزية مهيمنة على الوعي، ورصيدا مفتوحا على التأويل، يصل حد الأسطرة بالغلو، وأحيانا الشرك، عندما تُهدر الفواصل بين الإلهي والبشري. أم كانت حقيقية عندما يمارس "الإنسان الكامل" سلطة فعلية، فتكون له صلاحيات مفتوحة، وولاية مطلقة على الأموال والأنفس. في كلتا الحالتين يمثّل الاصطفاء سلطة تحد من حرية المتلقي، عندما تفرض محدداتها على الوعي. لذا اشترطت وجود آية صريحة. في صدقية الاصطفاء، أو يبقى الأصل عدمه، ما لم يدل الدليل القرآني عليه. ولا تخفى إيحاءات مفهوم الإنسان الكامل، وهيمنته الروحية حد الخشوع اللاشعوري، بفعلية غموضه وسحريته وإبهامه، حدا يتفاعل معه خيال المتلقي بخلفية أسطورية، فينسب له خرافات وخوارق تنسجم مع ذائقته ومستوى وعيه، ويمنحه خصائص فوق بشرية، تفرض سلطتها عليه بالذات، وينسى أنها صنيعته. أو ما يقوم به استجابة لروح العبودية التي تستدعي وجود مهيمن تتجسد في ظله، بالانقياد والطاعة، والإلتزام بطقوس وممارسات تكتسب قدسية دينية وتشرعن عبوديته. فالعقل العبودي عقل دائري، يصنع أصنامه، ويفرض على نفسه إلتزامات تروي غليل عبوديته.
بهذا يتضح أن مفهوم الإنسان الكامل يكرّس قيم العبودية ويشرعن قيم الاستبداد. وعندما تصف شخصا بالكمال المطلق، تجرّده من بشريته، وتمنحه عصمة وولاية مطلقة، وهنا مكمن الخطر، حيث يحرم النقد، وتبرر أخطاؤه، وتغدو أقواله مقدسة، ومرجعية مطلقة، تقتصر مهمة المتلقي أزاءها على التفسير والتأويل دون النقد والمراجعة. وأما على صعيد السياسة والحكم فيتمتع بولاية شاسعة. ويكون الراد عليه كالراد على الله. وبالتالي فإن الإيمان بوجود إنسان مطلق ارتهان لإرادة واستقلالية وحرية الإنسان. ومصادرة لحقوقه المشروعة. وبشكل أدق الإيمان بوجود إنسان كامل، فوق بشري في قدراته، حاجة تستدعيها روح العبودية، وهو شعور مرير بالنقص والانكسار والضعف، وقد سعت الأديان لتحرير الإنسان من مشاعر العبودية التي كانت تتجلى عبر عبادة الأصنام والأوثان، غير أن روحها تتقمص عناوين دينية أو إنسانية، لاستبعاد صورة الشرك المضمرة. يجب على الفرد التحرر من عبوديته واستعادة إنسانيته، كي يتخطى عتبة التخلف، أو يمكث منكسرا يلوذ بأوهامه ويعاقر الوهم اللذيذ بأمانيه وتطلعاته، ويصدق عليه: (اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) .
إن الصورة المثالية لمفهوم الإنسان الكامل في وعي المتلقي تحول دون معرفة حقيقته المثيولوجية، بل وتدعو لتزكيته وتبرير أخطائه، إن ما يضمره المفهوم من ملازمات تصادر حقوق الإنسان، لكنها تتوارى بفعل الصورة المثالية، لذا لا يمكن الاطمئنان لصدقيته، ويكفي أن نتخذ القرآن معيارا لتحديد المفاهيم الدينية، والإنسان الكامل لم يرد فيه. فالغرض من دعاوى الاصطفاء لهذا أو ذاك، غايتها، شرعنة السلطة، وقمع المعارضة. وأما جزاء الإيمان والعمل الصالح والرقي الروحي والتكامل الإنساني فواضحة، لا تشتمل على أية صلاحيات أو سلطة. (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). ينبغي لنا التصدي للدعاوى الباطنية الملغومة بفخاخ الاستبداد بذريعة الكمال وثراء التجربة الروحية. فثمة فارق بين الكمال الروحي والسلوكي النقي، وبين المفاهيم السياسية المتسترة تحت عناوين روحية.
فلسفة الخلق والخلافة
س139: أحمد مانع الركابي: هنا أطرح سؤالا يلامس منحنيات الموضوع ومحاوره. مثلا من المؤشرات المعروفة أن الأنبياء يتم اختيارهم من قبل الله لامتلاكهم خصائص وملكات خاصة وكذلك امتلاكهم بناء روحيا، يعد مؤهلا لحمل الرسالة ويكون النبي محاطا بالرعاية الإلهية والتسديد الإلهي، خصوصا في محور تبليغ الرسالة وتعاليمها، فهل يوجد مانع عقلي يمنع أن يكون للأنبياء خلفاء تميزوا بخصائص مقاربة لخصائصهم، ومحاطين بالتسديد الإلهي لا عن طريق الوحي وإنما عن طريق الإلهام والعرفان والمكاشفة التي هي نتاج الحركة الجوهرية للارواح التي قطعت شوطا في مسالك القرب الإلهي.
ج139: ماجد الغرباوي: المناصب الإلهية اصطفاء إلهي، تثبت بالوحي والمعجزة بالنسبة للأنبياء. وتتوقف صحة غيرها على وجود آية قرآنية، نرفع بها اليد عن الأصل. ولا علاقة للعقل بثبوتها ونفيها. العقل لا يحكم بثبوت الإمامة لإبراهيم دون وجود آية قرآنية صريحة رغم إجمال تفاصيلها، بل الأصل نفيها: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وكذا لا تثبت الوزارة لهارون لولا طلب موسى، واستجابة الله لطلبه: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى). فالوزارة ليست اصطفاء مجردا، بل مسؤوليات وصلاحيات واسعة، حيث ارتقى هارون للنبوة: (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا). ومن ثم رسولا: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا)، (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وقد تطرقت مفصلا لهذا الموضوع في بحوث تقدمت كبحث الإمامة والولاية ضمن حديث الغدير. وبحوث العصمة وفي كتاب مدارات عقائدية ساخنة، يمكنك الرجوع لتفصيلاتها، ولا نعيد. فالأمر الإلهي شرط في فعلية المنصب الإلديني. أو يكون الأصل حاكما. وبما أن الأصل حكم عقلي فلا يمكن رفع اليد عنه إلا بدليل قطعي صريح، مادامت أحكامه لا تخصص. وقد مرَّ الكلام عن قاعدة الامتناع العقلي.
ثانيا: التسديد الإلهي متاح لكل إنسان، متى استوفى شروطه: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، والمقصود بالجهاد المعنى الأعم. (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). وهذا لا يكفي في ثبوت الخلافة أو الإمامة أو الوصايا عن النبي، بل الأهم وجود نص قرآني صريح، مع وجود ملاك للمنصب الجديد. كما بالنسبة للوزارة التي هي أقرب معاني الخلافة أو الإمامة والوصية، حيث بين موسى دواعي تنصيب هارون وزيرا: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)، (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ)، وهو منصب إلهي توقيفي لا يخضع للاجتهادات والتمنيات.
في بحث حديث الغدير المتقدم، بينت الدلالات المحتملة من قول الرسول: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه"، وقد حددتها بما يلي:
أولاً- الإمامة الدينية بمعنى الإمامة الربانية: غير أن ثبوتها يتوقف على وجود آية صريحة كما بالنسبة لإبراهيم.
ثانياً- الإمامة الدينية بمعنى التشريع: لكنه مختص بالله، ولم يجعل ولاية تشريعية لأحد بآية صريحة واضحة، وما استدلوا به مجرد تأويلات لآيات الكتاب، كتفسير الحكمة بالولاية التشريعية، ولا دليل عليه من داخل الكتاب الكريم.
ثالثاً- الإمامة الدينية بمعنى الوزراة: وهذه أيضا منصب إلهي، يتوقف ثبوته على وجود آية صريحة.
رابعاً- الإمامة الدينية بمعنى الهداية والقدوة. وهذه ممكنة، وتثبت بقوله: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ). ويكون علي بن أبي طالب مصداقا له. والتفصيل مرَّ كاملا.
خامساً – الإمامة السياسية: غير أن ثبوتها يتوقف على وجود ملازمة بين الدين والسياسة، وأن هدف الرسالة إقامة دولة دينية، (وقد أكدت مرارا أن الدولة ضرورة اجتماعية لا دينية. وليست من ضمن التكليفات الشرعية المنصوص عليها قرآنيا، ولا مانع أن يتصدى المسلمون لقيام دولتهم، ويمدهم الكتاب الكريم بقيم ومبادئ وتشريعات يلتزمون بها. والفرق واضح. في الحالة الأولى يجب التحرك سياسيا، بل وحتى عسكريا من أجلها، وإسقاط كل سلطة يقع ضدها. وهذا ما تؤمن به داعش وقد أراقت دماء غزيرة، وهو مبنى الحركات الإسلامية السياسية قاطبة. وما دولة المدينة سوى استجابة لتطور المجتمع إداريا. ولو كانت الدولة ضرورة دينية ينبغي أن ينظّر لها الكتاب الحكيم من خلال منظومة مفاهيمية وتشريعية. بينما أهمل القرآن عصَبي الحياة، السياسة والاقتصاد، سوى مبادئ لضبط الأداء السياسي. وما تقرأه من تنظيرات المسلمين، خاصة التنظيرات الحركية، فهي وجهات نظر اجتهادية محترمة، لكن لا يمكن أن تكون تكليفا شرعيا. القرآن قد حدد مهام الرسول بالتبليغ والبيان والشرح والتفصيل والتبشير والإنذار وتعليم الناس الكتاب والحكمة، وأن يكون أسوة له. فكان بصدد بناء مجتمع يدين بدين التوحيد، ويلتزم بقيم الإسلام وأخلاقه. وعندما يبلغ هذا المستوى سيختار شكل الدولة التي تنسجم مع مبادئه، وتحقق أهدافه في الاستقرار والأمن السلمي. إن الخلافة قضية مهمة ومصيرية، وإهمالها من قبل الكتاب والنبي دليل على ترك موضوع السياسة للتطور التاريخي، لتتكيف مع متطلبات العصر والزمان).
نخلص أن المناصب الإلهية مناصب توقيفية منضبطة، غير خاضعة للأهواء، يتوقف ثبوتها لهذا أو ذاك بنص قرآني صريح، نرفع به اليد عن الأصل. فالمسألة لا تتعلق بإمكانياته واستعداداته الذاتية، بل تتوقف على وجد جعل إلهي، وهذا مفقود بالضرورة، إلا ما ثبت لإبراهيم إجمالا، وهارون تفصيلا. ولا يقاس عليهما، لأنها ليست صلاحيات نبوية، وإلا هل يعقل أن يسأل إبراهيم الله الإمامة لذريته: وهو يعلم أنها من صلاحيته كرسول؟. وهل ثمة داع لأن يدعو موسى لطلب الوزارة لهارون لو كان مخولا بتنصيب وزيرا يشد به إزره؟. لكنه يعلم أنه منصب إلهي، خارج صلاحياته رغم أنه نبي مرسل. وثمة حدود لا يتخطاها النبي، مهما كانت منزلته.
إن فلسفة الخلق قائمة على رفض الوصايا، وتحرير الفرد من روح العبودية، وضعفه أمام هيمنة التراث، وزيف المقدسات المصطنعة. فثمة اتجاهان، هدف الأول تكريس عقدة النقص وشرعنة منطق الوصايا. والثاني يتطلع لانتشال الوعي، واستعادة إنسانية الإنسان.
يأتي في الحلقة القادمة
.......................
للاطلاع على حلقات:
للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.