المثقف - قضايا
مهدي الزيني: المنبر الحسيني (3): اليات التجديد
- التفاصيل
- كتب بواسطة: د. مهدي الزيني
من الواضح ان عملية التجديد والتطوير في الاليات المستخدمة في الوقت الراهن في ذكرى عاشوراء لن تكون يسيرة و ستصطدم بعقبات كبيرة وقوية وراسخة بعمق في الوجدان الشعبي الشيعي، وبناءا على هذه الرؤية اعتقد أن عملية التطوير لابد أن تكون على جرعات بسيطة وهادئة ومستمرة حتى تأخذ مداها ووقتها اللازمين من اجل ان يستوعبها عامة الناس.
أن اثارة الطبقات الشعبية والاصطدام معها هو السبب الرئيسي في خفوت او إضمحلال اغلب الاصوات المنادية بالاصلاح او الخطوات المتخذة في هذا الطريق خاصة اذا عرفنا تأثير بعض ذوي الاغراض الخاصة من المنتسبين للعلم والمشايخ والوجهاء والمنتفعين والاحزاب وغيرهم في عملية تهييج وإثارة هؤلاء الناس بطريقة او بأخرى لاجل الحفاظ على ما هم عليه من وجاهة وصيت وتأثير في المجتمع عن طريق توظيف الجانب العاطفي والغيبي للقضية الحسينية من قبيل خدمة الحسين وحب الحسين والرثائيات والبكائيات المفتعلة ، ومن ثم يجب أن ندرك أن عملية التطوير والتجديد ليست مطلوبة لذاتها وانما الغاية منها رفع مستوى الوعي لمختلف شرائح المجتمع والاخذ بيده للتفكير السليم والتعليم المبني على الاسس القرانية( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة ٢
ان عملية ارساء المفاهيم القرانية العالية المضامين في مجتمعات تعتبر الحفاظ على مكاسبها من تخليد ذكرى عاشوراء من اهم أولوياتها ربما قد يصطدم مع كثير مما تمارسه هذه المجتمعات من أساليب اعتادت عليها وأصبحت مسلّمات لديها ومن الصعب التخلي عنها بمجرد النصح والتذكير وتلاوة الآيات فقط، انها تحتاج الى المنهج الصحيح والقيادة الواعية الحسنة التي يمكنها ان توجهها بالطريقة المثلى دون اثارتها بالتخلي عن مكاسبها وإنما بتجديد آلياتها، هذه الاليات التي نقصدها ليست الممارسات المتبعة عادة خلال ذكرى عاشوراء ولا الوسائل والطرق والتفاصيل الثانوية الاخرى في إظهار هذه الممارسات وإنما المنهج الفكري والعقدي الذي يطرح للناس حول معاني عاشوراء وثورة الامام الحسين ع وازالة الغبار والرواسب التي علقت بهذا المنهج على مر الازمان ومحاولة تنقيته وإظهاره بصورته الحقيقية التي كان عليها من دون رتوش زائفة دخيلة ألصقت به ثم احتكرت المشهد كاملا بالتركيز عليها دون المادة الأصل التي غُيِّبت عن قصد او جهل ؟
ان الرجوع الى الثوابت الحسينية وطرحها واشاعتها بين الناس من جديد ليست مهمة يسيرة وتحتاج الى بذل الجهد والاخلاص في العمل من الطبقة المؤمنة الواعية لان اغلب الذين يتصدون لطرح القضية وأهدافها وشعار الإصلاح الذي اتخذته منهجا ليسوا مؤهلين بما فيه الكفاية لإدارة العملية التصحيحية في المجتمع ان لم يكن اغلبهم يكرّسون عملية الجهل او التجهيل بين الناس !؟
ان دور المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية يكاد يكون شبه غائب في عملية إرجاع الناس الى الفهم الصحيح لاهداف الثورة الحسينية فلم نعد نرى برامج او طروحات او مناهج دراسية او كتب او منشورات تعنى بتثقيف الناس وإرشادهم ورفع مستوى الوعي لديهم وبيان اهمية الجانب العقلي والتفكير السوي في الدين وإنما اصبح التركيز اكثر على الجوانب الثانوية والعاطفية والممارسات الموسمية والجانب الروتيني من الدين الاسلامي في شقيه العبادي والمعاملاتي فترى احدهم ينصحك بالمحافظة على الصلوات او دفع الخمس او لاتكذب او لاتغش وما الى ذلك دونما النظر الى الأسس والقواعد الصحيحة التي يبني عليها المسلم هذه الواجبات الدينية !!؟فترى اغلب الناس حيارى حينما تثار شبهة او مسألة عقدية من بعض المخالفين او الغلاة او غيرهم ولايستطيعون جوابا يدرؤون به هذه الشبهات عن دينهم وعقيدتهم بصورة علمية منهجية واعية وربما ينساقون مع أفكار هؤلاء المغالين او المغرضين من حيث لايعلمون ويروجون لمفاهيم مخالفة للدين والشرع !!؟ وما هذه الحركات والطوائف والأحزاب والشخصيات المبتدِعة والمؤوِّلة التي نراها اليوم ماثلة في حياتنا والتي تبث سمومها بين الناس البسطاء الا مثال صارخ لعدم وجود الرادع الحقيقي لظهور مثل هذه التيارات في المجتمع ؟ وان الذين يقومون بعملية الحياطة والمحافظة على الدين او المذهب برامجهم غير مجدية بما فيه الكفاية لتحصين الناس من شرور هؤلاء الموسوسين
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.